التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العلاقات العامة في المؤسسة الجامعية والعلاقات مع وسائل الإعلام*


مقدمة:
تعتبر كل من المؤسستين " الإعلامية والجامعية" من أهم المؤسسات المكونة للمجتمع، بل قد تكونان أهمها على الإطلاق، إنطلاقا من طبيعتهما المتكونتين من نخبة المجتمع وصفوته، وعقله المدبر، بالإضافة إلى الوظائف المصيرية المنوطة بهما. لذلك كان من الأهمية بما كان أن تكون العلاقة بينهما علاقة تكامل وتقارب لا علاقة تصادم. 
وأعتقد أن المتحكم بهذه العلاقة هو الاتصال وطبيعة هذا الاتصال. ومن المعروف أن جهاز العلاقات العامة هو الذي يفترض فيه أن يكون المكلف والمسؤول عن حال وطبيعة هذا الاتصال كما هو الشأن في المؤسسات الحديثة باختلاف أنواعها بما فيها المؤسسات التعليمية كالجامعة.

ولذلك سأحاول خلال هذه الورقة الإجابة عن التساؤلات الآتية:

أولا/ ماذا تعني العلاقات العامة في الجامعة؟

ثانيا/ما هي الوظائف الإعلامية للعلاقات العامة في المؤسسة الجامعية؟

ثالثا/ما هي علاقة العلاقات العامة بوسائل الإعلام؟

رابعا/ ما هو واقع العلاقات العامة في الجامعات الجزائرية؟

أولا/ تعريف العلاقات العامة في الجامعة:

تعرفها الجمعية الدولية للعلاقات العامة على أنها نشاط إداري وتسييري يتم بصورة دائمة ومنظمة، تسعى المؤسسة أو أي تنظيم عمومي أو خاص من خلالها لإيجاد جو من التفاهم والتقارب مع من تتعامل معهم (الجمهور)، ولتحقيق هذا الهدف تسعى المؤسسة قدر الإمكان أن تكيف نفسها مع اهتمامات الجمهور، بحيث تطبق مبدأ الإعلام الواسع، وتسعى لإيجاد تعاون فعال معهم، وتأخذ بعين الاعتبار تحقيق مصلحة الجميع. (1)

يظهر من التعريف السابق أن العلاقات العامة تهتم أساسا بالعلاقات مع الجمهور بنوعيه الداخلي والخارجي (داخل المؤسسة وخارج المؤسسة)، بل إن ظهورها وأخذها لمكانتها كأحد مجالات الإدارة المؤسستية المهمة منذ النصف الثاني من القرن 20م، كان مردّه الأساسي هو تعاظم أهمية الرأي العام وكسب ثقة الجمهور لنجاح نشاطات المؤسسة مهما كان نوعها، كما يرجع ذلك أيضا إلى نمو شعور المؤسسات بمسؤوليتها الاجتماعية وضرورة أخذ وجهة النظر العامة كمتغير أساسي عند اتخاذ القرارات.(2)

واستنادا إلى التعريف السابق يمكن تعريف العلاقات العامة في المؤسسة الجامعية على أنها "وظيفة إدارية، تسعى من خلالها الجامعة لإيجاد جو من التفاهم والتقارب بين الإدارة والجمهور الداخلي من جهة، وبين الجامعة كمؤسسة والجمهور الخارجي من جهة ثانية، وذلك باستخدام وسائل وأشكال الاتصال المختلفة".
ومن خلال هذا التعريف تبدو أهمية تحديد الجمهور الذي تتعامل معه العلاقات العامة في الجامعة، حيث يعتبر هو الهدف الرئيسي للعلاقات العامة من خلال كسب ثقته في المؤسسة وبناء صورة طيبة عنها في ذهنه. و ينقسم إلى قسمين رئيسيين:

أ‌- الجمهور الداخلي: ويتمثل في الإداريين والعمال والأساتذة، ورؤساء الأقسام والمصالح، وعمداء الكليات والطلاب، وتعمد هنا العلاقات العامة إلى تحقيق الرضا الوظيفي لهذا الجمهور حتى تضمن انتماءه ولاءه للجامعة ومن ثمة ولاءه لعمله إخلاصه فيه.

ب‌- الجمهور الخارجي: ويتمثل في الهيئات العلمية، والجامعات الأخرى التي تدخل معها في أنشطة علمية، أو توأمة مع بعض كلياتها، وكذلك الطلبة الذين من المحتمل أن يلتحقوا بها، والأساتذة والباحثين الذين تتعامل معهم، أو يودون الالتحاق بها.

كذلك من فئة الجمهور الخارجي نجد دور النشر التي تزود الجامعة بالكتب، والمؤسسات التي تمولها بمختلف التجهيزات التي تحتاجها في المجال التعليمي، أو في مجال التأثيث.

والدولة والحكومة أيضا فئة من فئات الجمهور الخارجي، بالإضافة إلى المجتمع المدني بمختلف أطيافه وممثليه.

كما يمكن إدراج الجهات ومختلف الوسائل الإعلامية ضمن الجمهور الخارجي الذي تتجه إليه العلاقات العامة في الجامعة، وتحاول كسب ثقته انطلاقا من مجموعة من الوظائف والنشاطات.

ثانيا/ الوظائف الإعلامية للعلاقات العامة في الجامعة:

تتعدد وتختلف الوظائف التي يقوم بها أو من المفروض أن يقوم بها قسم العلاقات العامة في المؤسسة الجامعية، فهناك وظائف استعلامية، وظائف استعلامية، وظائف تنسيقية، ووظائف إعلامية. وسنركز على هذه الأخيرة لأنها ما يهمنا في هذا المقام، والتي يمكن حصر أهمها فيما يلي:(3)

1- إعداد وتحرير الكتيبات والأدلة والتقارير والنشرات.

2- تخطيط وتنفيذ الملصقات والإعلانات.

3- القيام بتصوير أحداث المؤسسة الجامعية.

4- تنظيم اللقاءات والمؤتمرات والندوات والحفلات.

5- تنظيم الأيام المفتوحة والمعارض والمهرجانات.

6- الإشراف على الموقع الالكتروني للمؤسسة.

7- تنظيم مقابلات صحفية لمختلف الوسائل الإعلامية من صحافة، وإذاعة، وتلفزيون.. مع المسؤولين في الجامعة.

8- تزويد وسائل الإعلام بالأخبار والمستجدات وآخر الإحصاءات الخاصة بالجامعة.

9- متابعة ما تنشره مختلف وسائل الإعلام حول الجامعة وجمعه، لمعرفة ما مدى توافق صورة الجامعة في وسائل الإعلام مع صورتها الحقيقية.

10- متابعة اشتركات الجامعة، في المجلات والصحف والدوريات المختلفة.

11- تأمين التواصل بين الجامعة والمؤسسات الأخرى سواء تلك التي تمارس نفس النشاط أو التي تنشط في بيئتها عن طريق تبادل النشرات والمطبوعات وكافة وسائل الاتصال.

12- الرد على المراسلات والاتصالات المرتبطة بالاستفسارات المختلفة عن نشاطات الجامعة، أو الشكاوي التي تثار داخل أو خارج الجامعة.

13- الرد على الشائعات والأخبار التي تسيء لصورة الجامعة.

ثالثا/ علاقة العلاقات العامة بوسائل الإعلام:

كما أشرت سابقا فوسائل الإعلام يمكن اعتبارها فئة من فئات الجمهور الخارجي الذي من المفروض أن يهم العلاقات العامة في الجامعة أن توطد العلاقة معه وتكسب ثقته ورضاه، وتكمن أهمية هذه الفئة في قدرتها على التأثير في باقي الفئات الأخرى.

وتختلف علاقة العلاقات العامة بوسائل الإعلام انطلاقا من النموذج الذي يتبناه قسم العلاقات العامة من بين النماذج الآتية التي وضعها كل من "غرينغ و هانت"(4) :

- النموذج الأول/ الدعاية والنشر (الوكيل الصحفي): وتهدف العلاقات العامة هنا إلى ضمان الدعاية ومرور الأخبار الايجابية حول المؤسسة، ولا يهم أن تكون الأخبار صادقة، أو غير صادقة. ويكون الاتصال هنا في اتجاه واحد، من المصدر إلى المستقبل، حيث لا تهتم العلاقات العامة برجع الصدى.

- النموذج الثاني/ نموذج الإعلام العام: وتهدف العلاقات العامة هنا إلى نشر أكبر قدر ممكن من الأخبار والمعلومات على الجمهور عبر وسائل الإعلام العامة والمنشورات الإعلامية الخاصة بالمؤسسة كالبريد المباشر والملصقات والكتيبات..، ويكون الاتصال هنا أيضا في اتجاه واحد، مع الحرص هنا على الدقة والموضوعية في المعلومات والأخبار.

- النموذج الثالث/ نموذج الاتصال غير المتكافئ في اتجاهين: ينحصر هدف العلاقات العامة في هذا النموذج في الإقناع العلمي المخطط للجمهور، وتحويل هذا الإقناع إلى سلوك. إلا أن هذا النموذج رغم أنه يعتمد على الاتصال ثنائي الاتجاه إلا أنه ينحاز إلى المؤسسة، حيث يرى أن التأثير يجب أن يقع على الجمهور ولا يقع على المؤسسة، فالجمهور هو مصدر الأزمات والمشاكل والإشاعات...

- النموذج الرابع/ نموذج الاتصال المتكافئ في الاتجاهين: تعتمد العلاقات العامة في هذا النموذج على الاتصال في اتجاهين بين المؤسسة وجمهورها وبالقوة نفسها، من أجل تحقيق التفاهم المتبادل في إطار التفاوض من أجل تطوير أدائها. فالمؤسسة تهتم بإقناع جمهورها والتأثير فيه، والجمهور يؤثر في المؤسسة وإدارتها لتعدل سياساتها وقراراتها.

ويبقى النموذج الرابع هو الذي يتيح المجال لتكون العلاقة بين الجامعة ووسائل الإعلام، طيبة وقائمة على أسس متينة، من التفاهم والحوار والشفافية. ما يقطع الطريق عن إثارة الشائعات حول المؤسسة الجامعية، أو محاولات تشويه صورتها. وينصح به ليس فقط للجامعات ولكن لمختلف المؤسسات بتبنيه، لأنه هو الكفيل بتحسين صورتها.

رابعا/ واقع العلاقات العامة في الجامعات الجزائرية:

من الملاحظ أن النشاطات المذكورة سابقا والتي من المفروض أن يقوم بها قسم العلاقات العامة، موجودة أغلبها في الجامعات الجزائرية، ولكن من يقوم بها ليس قسم العلاقات العامة، بل موزعة على عدة أقسام ومصالح وإدارات. وهذا مؤشر على أن هذه الوظيفة الإدارية (العلاقات العامة) لم تأخذ بعد أهميتها في مجال المؤسسات الجامعية الجزائرية، وهذا التوزيع في مهامها قد يؤدي إلى تشتيت الجهد، والفوضى، وتداخل الأدوار والمهام.

كما أن عدم وجود إدارة خاصة بالعلاقات العامة، تخصص لها ميزانية خاصة بها، ويقوم على تسييرها مختصين في العلاقات العامة، قد يفوت تحقيق الكثير من الفوائد التي تعود على الجامعة، باعتبارها مؤسسة ترتبط بمؤسسات المجتمع المختلفة، وهي ليست بمعزل عن العولمة وتأثيراتها وتجلياتها المختلفة.

كما أن عدم وجود إدارة خاصة بالعلاقات العامة -يكون من بين مهامها تنظيم الاتصال مع وسائل الإعلام- قد يكون السبب الرئيسي للكثير من حالات الاضطراب والتصادم التي تمس العلاقة بين الجامعة ووسائل الإعلام.

خاتمة/ اقتراحات وتوصيات:

في الأخير واستناد إلى كل ما سبق يمكن أن ندرج الاقتراحات الآتية:

- إنشاء إدارة خاصة بالعلاقات العامة، تكلف بتنفيذ الوظائف الخاصة بها وعلى رأسها توطيد العلاقة مع وسائل الإعلام المختلفة، باعتبارها وسيطا يمكن تساهم بتحسين صورتها أو تشويهها.

- الحرص على توظيف المختصين في العلاقات العامة على رأس هذا الجهاز.
- إعطاء الأهمية التي يستحقها هذا الجهاز، وذلك بتوفير الإمكانات التي تساعده على تأدية مهامه.

- فتح أبواب الحوار مع الجمهور الداخلي والخارجي.

- دعوة إلى الباحثين بالاهتمام بموضوع الاتصال في المؤسسة الجامعية بصفة عامة والعلاقات العامة في هذه المؤسسة بصفة خاصة.


* ألقيت المداخلة ضمن الملتقى الوطني: الإعلام والجامعة، المنظم من قبل منظمة الاتحاد العام للطلبة الجزائريين، في جامعة الحاج لخضر، يوم 5 ماي 2010م.

- للمداخلة مراجع.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).