التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نظرية الحتمية القيمية في الإعلام: نحو براديغم إعلامي متميز*



باديس لونيس
قسم علوم الإعلام والاتصال
جامعة الحاج لخضر باتنة

مع أن علوم الإعلام والاتصال من العلوم الجديدة التي لازالت تبحث لها عن هوية خاصة بها، انطلاقا من أن نشأتها كانت بعد تقاطع عدة علوم كالعلوم السياسية وعلم الاجتماع، والفلسفة وعلم النفس.. إلا أنها شهدت تنظيرات عديدة منها ما كان مستندا إلى الفكر الاجتماعي بصفة عامة ومنها ما استند إلى الممارسة الإعلامية بشكل خاص، منها ما اشتغل أصحابها بالظاهرة الاتصالية على مستواها الكلي (macro level)، ومنها ما جزّأ أصحابها نظرتهم إلى العملية الاتصالية إلى مستوياتها الضيقة (micro level).

ولا شك أن المساهمة العربية- الإسلامية في مجال الأبحاث الإعلامية اقتصرت على محاولات إسقاط النظريات الغربية على خصوصية المجتمع المحلي، أو في إعادة قراءة التراث فيما يسمى "بالإعلام الإسلامي". في ظل هذا الواقع الأكاديمي الذي اتّسم بكثير من الجمود والخجل من المبادرات العلمية الحقيقية، جاء المفكر الجزائري "عبد الرحمن عزي" ليحرّك المياه الراكدة في نهر الأبحاث العربية- الإسلامية في مجال الاتصال، بمجموعة من الدراسات العلمية الرصينة والأصيلة والمترابطة. أما الرابط بينها فهي أنها كانت تستند إلى متغير رئيسي واحد هي القيم التي مصدرها الدين؛ ما أنتج نظرية جديدة في علوم الإعلام والاتصال هي: "نظرية الحتمية القيمية في الإعلام".
أما مداخلتي هذه فتنطلق من فكرة كتابه (عبد الرحمن عزي) الموسوم بـ "الفكر الاجتماعي المعاصر والظاهرة الاتصالية" المنشور عام 1995م، والذي استعرض فيه أربع مدارس اجتماعية كبرى في الغرب هي: (التفاعلية الرمزية، الظاهرتية الاجتماعية، البنيوية والنقدية)، ثم ختم كتابه بفصل تحت عنوان: (الواقع والخيال في الثنائية الإعلامية: نحو تأسيس فكر إعلامي متميز). وكانت هذه هي المرة الأولى -حسبما اعتقد- التي  يصرح فيها الدكتور بتميز طرحه وتصوراته عم سبق، بل وكأني به وهو يقدم دراسته بعد استعراض المدراس/ البراديغمات الغربية، يقدم لنا البديل، أو بمعنى علمي دقيق، يقدم لنا براديغما جديدا.
والآن، بعد مرور كل هذا الوقت، وبعد الدراسات العديدة التي قام بها صاحب النظرية نفسه، أو التي قام بها المهتمون بها من الباحثين، هل اشتد عود النظرية إلى درجة التجرؤ علميا والقول بقدرتها على أن تكون براديغما قائم بذاته، وأن لها من المقومات ما يسمح لها بهذا الارتقاء؟
من المعلوم انه ليس لكل نظرية القدرة على أن تصبح براديغما، فهناك مجموعة من الشروط حتى تلقى القبول، واهم هذه الشروط أن تكون نتيجة ثورة علمية، وان تكون قابلة للتجريد والتطبيق، وان يكون لها مجالا خاصا للبحث فيها ومنهجية خاصة بها. وإلا كانت مجرد نظرية من مجموعة نظريات ونماذج يتألف منهما براديغم ما.
 فتوماس كون مبدع هذا المفهوم يرى: "أن للبحث العلمي مقصدان رئيسيان: أن نأتي ببراديغم جديد، أو أن نبحث في إطار براديغم قديم". 
ـــــــــــــــــــــ
* هذه مقدمة  الدراسة التي ستجدونها في العدد الرابع من مجلة الدراسات الإعلامية القيمية المعاصرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).