باديس لونيس
"تعاني الصحافة اليوم من آثار ما يسمى بما بعد الحداثة، حيث أصبح لكل شخص حقيقته. إننا نعيش في غمرة نظام خطير جدا، نظام لا نقول عنه ديمقراطي، بل نظام "ديمقراطوي" تتساوى فيه كل الآراء. إننا نعيش مغالطة شاملة؛ فالأفكار التي يخلص إليها شخص اشتغل على موضوع معين لمدة عشرين سنة تتساوى مع ما يقوله أي شخص نكرة في مقهى شعبي. إنه وضع عام يعيشه مجتمعنا، وفي هذا الإطار فإن الصحافة الملتزمة، التي تزن جيدا كلماتها حتى تكون أكثر قربا من الأحداث، لا تعادل سوى ما تساويه وجهة نظر أي شخص.. من هذا المنظور لم تتغير الصحافة بل أهمية الكلمة هي التي تغيرت، والمكتوبة منها على وجه التحديد".
هذه هي ازمة الصحافة
والإعلام عموما في الغرب، فهل يمكن أن نقول ان الأمر نفسه هو الحاصل في سياقنا المحلي؟
مع وجود بعض الشبه إلا ان المقارنة تبدو غير جائزة، لأننا نتحدث هناك عن ما بعد
الحداثة، ونتحدث هنا عن ما قبل الحداثة؛ ليس في أنماط الانتاج وامتلاك أليات صناعة
الصحافة بشكلها التقني، ولكن في امتلاك روح صناعتها وفي وجود وعي ونضج كاف لرسم
استراتيجيات مُحكمة تتأسس على رؤية واضحة في بناء المعنى، هذا المعنى الذي يستمد
سلطته وشرعيته من ثقافة المؤسسة التي تُنتجه. فهل نملك مؤسسات إعلامية (عمومية أو
خاصة) بكل ما يحمله مفهوم "المؤسسة" من معنى؟ قد يعتبرني البعض متطرفا
وقد يستشهد ببعض العناوين الكبيرة، والتي قد تكون أمثلة جيدة لكي لا نتشاءم كثيرا،
ولكننا حينما نتحدث عن الصناعة الإعلامية الثقيلة التي لا تخضع إلى الارتجال أو
المزاج أو الارتباك او الفوضى أو التقيّة أو التملق ... فسنجد الساحة خالية على
عروشها. فنحن أمام أزمة فوضى؛ ليست فوضوية فاييرابند التي تحاول تجاوز الحداثة عن
وعي، ولكنها فوضوية غياب النضج وغياب مفهوم المؤسسة وثقافتها.
إننا في (سياقنا) إما
أمام ناطقين رسميين للحكومة، أو شركات عائلية دكتاتورية ما فتئت تتوسع عن طريق
المتاجرة ببعض القضايا، او دكاكين قد يكون بعضها طموحة ولكنها تبقى محكومة منشغلة
بما قد تتفضل عليها السلطة من إشهارات تقيها خطر الانقراض. فأزمة الصحافة هناك حسب
الفيلسوف ميغال أزمة تعدد المعنى، أما أزمة صحافتنا هنا فهي أزمة غياب المعنى.
- نشر المقال بجريدة الأوراس نيوز يوم 8 فيفري 2015م.
تعليقات
إرسال تعليق