للأمانة العلمية، يجب أن أشير في البداية إلى أن العنوان أعلاه قد اقتبسته
من أحد مواضيع الملف الذي خصصته المجلة الفرنسية (باري ماتش) هذا الأسبوع لقضية
اللاجئين السوريين الفارين إلى أوروبا برا وبحرا. وهو كما يبدو (أي العنوان) قد
أعطى قوة كبيرة للصورة التي قد تصل إلى حد تغيير الآراء ووجهات النظر، بل وتغيير قرارات الحكومات كما حصل
مع دول الاتحاد الأوربي في موضوع اللاجئين بعد انتشار صورة الطفل السوري وهو يتوسد
رمال البحر بدلا من وسادة دافئة في أحد غرف منزله بقريته الكردية التي غادرها
خائفا مكرها ورجع إليها جثة هامدة.
هذا الاهتمام الذي أولته المجلة للموضوع، بتخصيص ملف كامل أخذ من الجريدة
24 صفحة، بالإضافة إلى الغلاف الذي احتلته صورة لاجئ يحمل ابنته، مع عنوان مثقل
بالأسى يستجدي الأوربيين ويستعطفهم: "استقبلونا". هذا الاهتمام لم يكن
استثناء في وسائل الإعلام الغربية وغير الغربية وبمختلف أنواعها، فقد اتفقت جميعها
فجأة على تسليط كل اهتمامها حول الإنسانية الضائعة في مهب رياح البحر وهي تقذف بجثة
إيلان أمام عدسة مصور حالفه الحظ، في أن يكون في الوقت المناسب والمكان المناسب،
ليوجه اهتمام العالم ويغير نظرة الحكومات نحو سيل الهجرات التي حجت إلى أوروبا
هربا من قدر مخيف إلى قدر مجهول.
وقد شبّه واسيني الأعرج في مقاله الأخير بجريدة القدس العربي منظر السوريين
المكتظين في القطارات المتوجهة إلى ألمانيا، بمنظر اليهود الذين جرهم النازيون في
قطارات شبيهة إلى غرف الغاز، مع فارق الاتجاه والإرادة والعرق، والسياق طبعا.
فألمانيا ميركل هذه المرة قد نجحت في توظيف الصورة لصالحها وتوشحت ثوب المنقذ
الحنون، وصارت بعد السماح لبضعة آلاف من اللاجئين من دخول أراضيها أشبه بالجنية
الطيبة التي تظهر في الوقت بدل الضائع لتنقض قصص الأطفال من نهاية توشك على أن
تكون مأساوية.
إنه عصر الصورة التي تبني واقعا إعلاميا قد يكون رمزيا كما يراه عبد الرحمن
عزي، ولكنه واقع قوي يضاهي الوقع الحقيقي. فالصورة الفوتوغرافية أو التلفزيونية أو
السينمائية تحمل قدرة كبيرة على التحول إلى صور ذهنية غير محصنة للتحول هي الأخرى
إلى صور نمطية يصعب تغييرها.هذه الحقيقة صار الجميع يدركها، ولكن ليس الجميع يحسن
تطبيقها وتوظيفها. خاصة مع السلطة التي صار يتحلى بها الجمهور المتلقي الذي ودع
منذ انتشار الميديا الجديدة سلبيته، وصار مشاركا في صنع الصور والترويج لها وإن
كان في أحيان كثيرة من دون وعي وبتلقائية وعاطفية قد تستخدم ضده من طرف الجهات
التي تمتلك الوعي بالأهداف والرؤى والاستراتيجيات.
ولا شك أن "باري ماتش" وأخواتها لديها من هذا الوعي ما يكفي
لتختار بعناية فائقة صور أغلفتها.
تعليقات
إرسال تعليق