التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الذعر الأخلاقي التكنولوجي

باديس لونيسBadis.lounis@gmail.com


"قواعد الذعر الأخلاقي التكنولوجي" هي التسمية التي أطلقتها الباحثة الأنثروبولوجية الاسترالية جنفياف بال (Genevieve Bell) على نظريتها الجديدة في علوم الإعلام والاتصال. الباحثة التي اشتغلت طويلا في دراسة كيف يدمج الناس تكنولوجيا الاتصال الحديثة  في حياتهم  اليومية، قدمت الافتراض الأساس في نظريتها عام 2011م ، على النحو الآتي:
 لتثير الذعر الأخلاقي، يجب أن تخضع التكنولوجيا لثلاثة قواعد:
1-    يجب أن تغير علاقتنا بالزمن.
2-    يجب أن تغير علاقتنا بالفضاء.
3-    يجب أن تغير علاقتنا مع الآخرين.
في حال ما تحققت إحدى هذه القواعد، فإنها يمكن أن تكون مثيرة للقلق، أما إذ اجتمعت مع بعضها فإنها ستنتج ذعرا !
لنتأمل هذه القواعد جيدا،
يبدو أنها ليست سمة خاصة بتكنولوجيات الاتصال الحديثة، فالتغييرات التي تتحدث عنها بال ارتبطت منذ القدم مع ظهور كل وسيلة من وسائل الاتصال المختلفة، وخلقت في كل مرة جدلا قد يكون حادا في بعض الأحيان بين قادة الرأي والنخبة في كل الحقب التاريخية؛ منذ ظهور الكتابة وتهديدها للذاكرة والفن حسب سقراط إلى ما أثارته المطبعة من نقاش بين الكنيسة والمتنورين حول طباعة الإنجيل، إلى الجريدة ودورها في جمهرة الثقافة، إلى التلفزيون والتأثيرات الأخلاقية.. إنه الذعر الأخلاقي الملازم لكل جديد.
لنعد الآن، إلى النظرية التي تركز على تكنولوجيا الاتصال الحديثة، ولنطرح التساؤل الآتي: هل حقا أثارت تكنولوجيا الاتصال الحديثة ذعرا  لدينا، نحن المنتمين إلى الضفة الجنوبية عموما؟
أتذكر هنا مقالة مهمة للباحث الجزائري الصادق رابح تحت عنوان "الهوية الرقمية للشباب: بين التمثلات الاجتماعية والتمثل الذاتي"، وفيها ربط الباحث الذعر من التكنولوجيا بفئة الكبار دون الشباب، حيث تغلب على خطاباتهم رؤى معيارية ومصطلحات أخلاقية تقريظية مبالغ فيها، والحق أن قراءتهم للوسائط الجديدة حسب باحثنا تتموقع ضمن لحظتهم التاريخية ولا تنفك عنها؛ فهي بعبارة أخرى رؤى سياقية تضفي طابعا غرائبيا على الشباب وأنماطهم الاتصالية القائمة على استثمار التكنولوجية التي وجدوها جزء من حياتهم وطقوسهم اليومية منذ أتوا إلى هذه الدنيا. فالمشكلة إذن تكمن لدى من عاش بين زمنين قبل وبعد ظهور التكنولوجيا.

لا شك أن التأثيرات التي تحدثت عنها الباحثة بال، (وهي على ما يبدو استمرار لافتراض نظرية الحتمية التكنولوجية لماكلوهان التي تعطي للوسيلة دورا محوريا في التغير الاجتماعي ) تمس جوانب محورية في حياتنا، هذه التغيرات التي قد تكون راديكالية مفزعة، ولكني لا اعتقد أنها تثير هذا الفزع على مستوى واحد لدى جميع فئات المجتمع، أو على مستوى جميع الجماعات والمجتمعات. فالزمن والفضاء والجماعة هي نفسها عناصر مهمة قد تتحكم في الذعر الأخلاقي التكنولوجي وتقوم بإدارته بالطريقة المناسبة انطلاقا من الاستعداد القبلي لتبني التكنولوجيا، أو العكس من ذلك في حالة غياب الاستعداد والوعي.

نشر المقال يوم الاحد 27 سبتمبر 2015 بجريدة الأوراس نيوز


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).