التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل يمكن أن يصبح الواعظ صحافيا ؟ ( 4 )


بقلم/ أ.د إدريس بولكعيبات

خليل مطران
كان محمد على الكبير أول من أطلق جريدة رسمية في العالم العربي تحت مسمى "الوقائع المصرية" في نهاية العقد الثالث من القرن التاسع عشر . كما كان له الفضل في إنشاء مطبعة بولاق " الشهيرة التي كانت الأولى من نوعها في الشرق . و التي كان لها الأثر البالغ في إحياء التراث العربي و فتح ورشة لنفض الغبار عن المخطوطات التي لا تزال مفتوحة الى اليوم . كان رجلا حاد الذكاء عرف كيف يستفيد من الأعداء . 
أما الصحافة الشعبية ، فكان ظهورها متأخرا نسبيا . و هنا  لابد من الإشارة الى مسيحيي الشرق الذين كانوا يملكون الاستعداد و المواهب لالتقاط تلك الومضات في الظلام الذي أرخى ستائره على الشرق . 
الشام كان على مر العصور أرضا مفتوحة على الحملات القادمة من الشرق و من الغرب  . و كان كل الذين مروا يرحلون و لو طال بهم المقام لكنهم دائما يتركون بصمات لا تندثر . و قد أنشد محمود درويش و هو يستحضر ركام تاريخ المنطقة " أيها المارون عبر الكلمات العابرة ... خذوا ما شئتم و انصرفوا ..." لذلك هناك تركيبة اثنية و دينية و ثقافية معقدة في مساحة لا تحتمل كل تلك التناقضات . و لم تشهد على مر التاريخ حروب إبادة إلا في هذا الزمن الرديء .
على الساحل اللبناني ، كانت هناك سلالة اندثرت مثلما اندثر من قبل البابليون بناة  الحدائق المعلقة و البرج الذي ورد ذكره في التوراة أو العهد القديم ، انها سلالة الفينيقيين ، شعب قليل العدد لكنه من أذكى الشعوب على الأرض سيطر على البحر ، شعب موهوب في التجارة . و لا تزال بقايا من أحفاده الى اليوم فقدت حلقات الوصل مع ذلك الماضي المجيد لكن يبدو أنها حافظت على شيء من تلك الجينات . شعب الشام لم يفقد شيئا من تلك الموهبة ، فكبار التجار في غرب افريقيا و المكسيك و البرازيل و الأرجنتين لهم جذور شامية بل فينيقية .
إنهم يربطون مصيرهم بالمصلحة فيسعون وراءها حيثما تكون بينما نحن  في الجزائر مشدودون الى الأرض ، نحن من الشعوب التي لا تتحرك إلا في المكان نفسه ، أي أننا نخشى المجازفة .
ينسب بعض المؤرخين الى الفينيقيين اختراع الأبجدية الحديثة التي لم  يعد أحد يذكر فضل الذين أخرجوه بسحرها من عالم الأمية المظلم الى نور المعرفة . لأن الانسان بطبعه جحود . و يزعم هؤلاء أن حاجة الفينيقيين في التعامل لتوثيق العقود التجارية مع الشعوب الأخرى كان هو الدافع وراء ذلك الاختراع الذي قيد العهود من جهة و أطلق الحرية من جهة أخرى . 
غير أن هناك من الأنثروبولوجيين من يرى اختراع الأبجدية كان لحاجة أخرى و على يد أشقياء كانوا  يعملون في المحاجر بشبه جزيرة سيناء المصرية . و الحديث في هذا الشأن يطول .
و عود على بدء ، أن فضل نشر الصحافة في العالم العربي يعود لمسيحيي الشرق لاسيما منها  الصحافة الشعبية . و الأسماء كثيرة و مزدحمة . و ان نسي الانسان منها ، فإنه لن ينسى فارس الشدياق و اليازجي و البستاني . 
حتى جريدة الأهرام المصرية التي تأسست في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر عمل بها "  خليل مطران " و هو أحد المجددين في الأدب و اللغة و هو موسوعة و مترجم و ملم بالثقافة الغربية فقد ترجم أعمال" شكسبير " و ما زلت أذكر أني قرأت شكسبير بفضله عندما كنت طالبا في الصف الثانوي مآسي " هملت " و " عطيل " و " الملك لير " و " ماكبث " و " يوليوس قيصر " و غيرها ، لقد اكتشفت المسرح الشكسبيري بفضله رغم أن ترجمته لم تكن على قدر عبقرية شكسبير و لذلك أعاد بعد عشرات السنوات ترجمة تلك الأعمال التي تتحدى القرون و الحقب " الأديب الكبير " ابراهيم جبرا " . 
كان خليل مطران شاعرا رومانسيا ابتعد عن المدح  الذي كان لصيقا بالشعر العربي منذ العصر الجاهلي . و هو قطب الى جانب " شوقي " و " حافظ " أي حالة وسط بين العسل و البصل ؟
و تلك قصة أخرى في حركة تجديد اللغة العربية من العربية المهجورة الحبيسة في المخطوطات الى  لغة الاعلام الحديثة السلسة المتدفقة . لقد أنقذ هؤلاء الرجال الناذرون العربية من الهلاك . 
للحديث بقية ...أيها  الأحبة ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).