بقلم/ د. سكينة العابد
لم يعد الإعلام اليوم ذلك الوعاء الناقل للأحداث والقضايا ومعالجتها بما توافق عليه من مبادئ المهنية والاحترافية والموضوعية التي يُحترم عبرها عقل المشاهد أو القارئ أو حتى المستخدم عبر ما يسمى بالإعلام الجديد أو الإلكتروني بجميع وسائطه ، بل أصبح اليوم وفي غالبه صانعا، فلا مندوحة من القول أن الصناعة الإعلامية التي أصبحت منطلقاتها قنوات تعتمد أجندات سياسية أو حتى طائفية أو مذهبية، أضحت تحاول جذب الجمهور والتأثير فيه بوسائل وبرامج مختلفة ،خصوصا وأن للإعلام راهنا سلطة وسطوة كبيرة، إذ يكاد أن يكون المصدر الأساسي والمباشر في استيقاء معلومات الفرد والمجتمع في ظل خفوت تأثير الوسائل الأخرى، كالأسرة، والمدرسة، والمسجد والكتاب، وهذا نظرا للمد التكنولوجي الإعلامي والاتصالي وتوفره وسهولة تدفقه واستخدامه.
وهنا، يبرز الحديث عن الوعي الإعلامي كضرورة معاصرة بل وملحة للوقوف حيال هذا الإعلام الذي أصبح بديلا ماهرا ومتحايلا على الجمهور بغية توجيهه وتقويضه بمختلف الطرق لتبني أفكار وطروحات يسعى لها .
والوعي الإعلامي يعني في مفهومه القريب هو وصول المشاهد أو القارئ لدرجة من الوعي لدى قراءته ومتابعته للأحداث والرسائل الإعلامية تمكنه من تقييمها بطريقة علمية وموضوعية ، بإجراء المقارنات والمقاربات للوصول لقرارات ، وبالتالي يتجنب التظليل الإعلامي وعدم الوقوع في فخه ، وأيضا الإثارة الإعلامية التي أصبحت عنوانا للعديد من القنوات ، بعدما أصبحت العولمة الإعلامية مسلكا وملاذا وواقعا يفرض نفسه على المجتمعات بقوة الإعلام وتحدياته التكنولوجية والمعلوماتية .
وقد يقول قائل أن الوعي الإعلامي مطلب استحالة تحققه في مجتمعات اليوم التي أصبحت مجتمعات رقمية تتلقى الرسائل من كل حدب وصوب ، وبتدفق سريع وقافز قد يمنع طرق الحصانة والدفاع من تحقيق أهدافها ، خصوصا وأننا إذا ما دققنا في مفهومه نجده في حقيقته عبارة عن عمليات تحليلية معقدة لمجموع الأفكار والخبرات والمعطيات والثقافة والمعلومات ...الخ ، وغربلتها بشكل موضوعي ومحايد للخروج برأي صائب ، وموقف رزين تجاه ما نواجهه من أخبار وأحداث وتقارير وأفكار وافدة ، بل ومفروضة على عقولنا ، والتي على كثرتها وزخمها قد لا تترك فرصا لتحقيق هذا ، أمام ما اصبحنا نراه من برامج عمدتها المناقشات الصاخبة ، والمهاترات والندوات الصارخة ، والتي قد لا تخرج عن سياق النعيق والعراك لمن يسمَون (بالخبراء والمتخصصين في مختلف الشؤون ) مما يترك المشاهد في حيرة من أمره ، بل وادخاله في متاهات لا نهاية لها ، مما يعوقه والحكم أ واتخاذ القرار ، وتحليل مايراه ويسمعه بوعي ومنطق وجدية .
وعليه ، فإن هذا الوعي لا يبلغ أو يتوصل إليه إلا في حضور شيئين أساسيين : الأول ويتمثل في الرفع من مستوى الرسائل الإعلامية واحترام عقول الجماهير بانتهاج المهنية ، والثاني هو مدى ارتباط المجتمعات بمرجعياتها المعرفية والحضارية لمواجهة هذا الخطر الإعلامي المستهلك عبر الوسائط الإعلامية والتي أصبح من الصعوبة بمكان مجابهتها في غياب بناء متراص للوعي الإعلامي الذي لابد من أن تتبناه كل المؤسسات الاجتماعية والتعليمية لترشيد الفرد والمجتمع نحو هذا المجال .. وإلا فنحن سنشهد في السنوات القادمة ذوبانا للعقول ، وتسمما للأفكار إذا لم نتوج بمضادات فكرية وأخلاقية ومهارات واعية للتمييز بين الغث والسمين فيما تطرحه وسائل الإعلام .
تعليقات
إرسال تعليق