التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ليلة إهانة الروائي رشيد بوجدرة.. عندما يتحول المضحك إلى مبك

  • حميد زنار
  • في شهر رمضان تنتشر البرامج التلفزيونية الفكاهية التي تسعى إلى خلق جو من التسلية للمواطنين، ولكن هذه البرامج تحولت مع الوقت من برامج طريفة هدفها المزاح الخفيف وخلق البسمة، إلى برامج متمادية في السخرية وتمس من الحريات ومن ذوات الأفراد ومن حرماتهم الجسدية وتصل إلى حدود التنكيل بهم إن صحت العبارة، ما يجعل من المضحك يتحول إلى مبك وخطر. علاوة على ذلك فإن الشاشة الصغيرة ما انفكت تقدم المثقف العربي في صور مشوهة تمس منه بشكل خطير، وهذا ما وجدناه في حلقة من حلقات الكاميرا الخفية في قناة جزائرية والتي تعرض لها الروائي الجزائري رشيد بوجدرة. وهي لا تقف عند حدود المزاح بل تتطاول على ذات هذا المبدع، كما تتطاول على ذوات آخرين غيره.
في حصة تلفزيونية تنشد إضحاك المشاهدين عن طريق كاميرا خفية ينصبها أصحابها أسبوعياً لوجوه معروفة في مجالات الرياضة والسياسة والفن، تعرض الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة لما يمكن وصفه بمحكمة تفتيش ليلة 31 مايو الفارط.
هذا بغض النظر عن مسؤولية الرجل في ما وقع فيه إذ ماذا تضيف له استضافة في قناة هو يعرف جيدا أنها قناة من قنوات الصرف الإعلامي أكثر من أي شيء آخر، ولا علاقة لها بالإعلام العام ولا بالإعلام الثقافي.
شرطة أخلاقوية
كان من اللائق بادئ ذي بدء أن يرفض بوجدرة كل سؤال يتعلق بحريته الشخصية وعقيدته الدينية ومع ذلك شعرت بالإهانة شخصيا وأنا أشاهد على شاشة قناة النهار الجزائرية الكاتب مقبوضا عليه من طرف عصابة أصولية تسأله عن إيمانه وتحضر له ضابط شرطة مزيفا يطلب منه أوراقه الرسمية ويسأله فيما إذا كان مسلما أم لا. من خلال هذا المشهد يبدو كأن الشرطة في الجزائر أصبحت شرطة أخلاقوية تبحث في عقائد الناس ودواخلهم الحميمة.
لقد مارست "العصابة" ضغطا رهيبا على رشيد بوجدرة واستغلت احترامه للمشاهدين وراحت تمطره بطلبات أقل ما يقال عنها إنها إرهابية، كالتأكيد على أنه مسلم وتكرار التلفظ بالشهادة في مشهد سيبقى وصمة عار على جبين الإعلام الجزائري المرئي.
تشويه العقلانيين
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ دفع منفذو هذا البرنامج الروائي إلى الانفجار غضبا والانسحاب من الاستوديو بقوة للتخلص من الضغط المسلط عليه.
لقد كان مشهد الكبير رشيد بوجدرة وهو يصرخ ويتشابك باليدين ويتدافع مع أفراد العصابة الإرهابية من أحط ما رأيت على شاشة تلفزيونية على الإطلاق، لقد وقع المبدع بين أياد انتهازية لا إبداع ولا أخلاق لها.
لم يكن هدف هؤلاء القائمين على البرنامج إضحاك المشاهدين ولا الترفيه عن الصائمين، وإنما المس من كرامة كل العقلانيين والعلمانيين في الجزائر وضرب حرية الاعتقاد بشكل عام فهدف القناة وأخواتها هو أظلمة المجتمع الجزائري.
لقد هزت المهزلة كل المثقفين الجزائريين الأحرار وصبوا جام غضبهم عن طريق الشبكات الاجتماعية على هذا الإعلام الذي بات يشوه صورة الجزائر والجزائريين ويحارب العقلانية والعقلانيين ويسوق للشعوذة والمشعوذين.
استنكار المثقفين الجزائريين وحتى العرب كان على جناح السرعة إذ نشرت مجموعة من المثقفين عريضة أمضاها العشرات من المثقفين والمواطنين على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك طالبو فيها بـ"موقف حازم وصريح ضد السلوك الهمجي العدواني الذي تعرض له الكاتب الكبير رشيد بوجدرة، يوم 31 ماي (مايو) 2017، بغاية التسلية الوقحة، من خلال النيل من شخصه، في قناة تلفزيونية، تحت مسمى الكاميرا الخفية".
كما طالبو ا بـ"محاسبة جميع المتورطين في هذه القناة والقنوات الأخرى التي تستعمل الأسلوب ذاته لإهانة الشخصيات الثقافية والفنية وحتى المواطنين".
وحذر المنددون بمثل هذه البرامج التي تحيد عن التسلية والطرافة الخفيفة إلى الإهانة من” الصورة المزرية التي أظهرت رجال الأمن ولو بشكل تمثيلي كفئة متطرفة تمارس العنف الديني المقيت ضد الجميع”. وهي رسالة واضحة للقائمين على قطاع الإعلام والأمن، كما يختم الموقعون على العريضة، ويضيفون “إن أي صمت إزاء هذه المهزلة لا يعني سوى التواطؤ الجبان”.
فهل يقبل الجزائريون أن تقدمهم قناة تلفزيونية إلى المشاهدين على أنهم "مطوعة" مهمتهم التفتيش في ضمائر المواطنين؟ وهل تتحرك الجهات المعنية بقطاع الإعلام والثقافة لوضع حد للانحطاط الإعلامي في الجزائر، ولـ”ديوان التفتيش” الثقافي على الهواء مباشرة في الجزائر؟
ونلفت إلى أن رشيد بوجدرة روائي جزائري ذو توجه شيوعي ماركسي يكتب باللغتين العربية والفرنسية، ويعد من أبرز الوجوه الروائية في الساحة الأدبية الجزائرية.
ولد رشيد بوجدرة عام 1941 في مدينة العين البيضاء. تلقى تعليمه الابتدائي في مدينة قسنطينة، وتخرج في المدرسة الصادقية في تونس، ومن ثم في جامعة السوربون، قسم الفلسفة. بعد استقلال الجزائر سنة 1962 انضم إلى الحزب الشيوعي الجزائري وأقام في باريس من 1969 إلى غاية 1972 وبالرباط من 1972 إلى غاية 1974 حيث عاد إلى الجزائر.
عمل في التعليم وتقلد مناصب كثيرة، منها أمين عام لرابطة حقوق الإنسان وفي سنة 1987 انتخب أميناً عاماً لاتحاد الكتاب الجزائريين لمدة 3 سنوات.
وعند اندلاع العشرية السوداء في الجزائر ذهب رشيد بوجدرة إلى تيميمون وبقي فيها 7 سنوات لهدوئها وبعدها عن مناطق الاضطرابات.
وهو محاضر في كبريات الجامعات الغربية في اليابان والولايات المتحدة الأميركية. حاز جوائز كثيرة، من إسبانيا وألمانيا وإيطاليا، وله الكثير من المؤلفات الروائية.
المصدر: جريدة العرب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).