التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شكلان من الفينومينولوجيا .. أو الفينومينولوجيا بين هوسرل وهايدغر

 خديجة عنيبة – باحثة في الفلسفة المعاصرة – المغرب
إدموند هوسرل
أراد هايدغر من خلال كتاباته الأولى التي لم يُكتب لها أن تنشر إلا بعد فترة طويلة من صدور مؤلف “الكون والزمان”[1] أن يبين أن المنهج الفينومينولوجي الذي جاء به أستاذه هوسرل ووظفه العديد من الفينومينولوجيين بعده، لم يصل بعد إلى تقديم طريقة جديدة في البحث الفلسفي، تجعل منه بحثا مستقلا بذاته قادرا على مواكبة الإشكالات التي يطرحها عصر ما، فإذا كانت الفلسفة بنت عصرها عليها قبل كل شيء أن تبقى متعلقة بقضايا عصر الدازين ومنشغلة بها، لهذا السبب كان لزاما على هايدغر أن يبلور تصورا خاصا به لمهمة البحث الفينومينولوجي في كتاباته اللاحقة، لتغدو الفينومينولوجيا قادرة على القيام بالمهام المنتظرة منها.

مارتن هايدغر
 لكن التصور الخاص الذي كان لهايدغر عن الفينومينولوجيا لا ينفي بالطبع تبنيه للمنهج الفينومينولوجي لدى هوسرل، فقد صرح هايدغر في العديد من كتاباته أن فهم أستاذه للفينومينولوجيا ومهمتها لم يكن جذريا بما فيه الكفاية، معنى ذلك أنه لم يبلغ بمنهجه الفينومينولوجي النفاذ إلى جذر الأشياء ذاتها، لكونه ظل متمسكا بتلك الفكرة القائلة بأن الوعي المحض هو الذي يبني العالم، ولهذا فهو ليس قائما في العالم، كما أنه ليس في حاجة إلى شيء آخر ولا يتوقف وجوده على كائن آخر، بهذا الشكل بقيت الفينومينولوجيا تتبع أسلوب المتفرج المحايد أمام الأشياء التي نقابلها في العالم، فالوعي المحض عند هوسرل يشكل التيمة الأساسية للفينومينولوجيا، لكن بعد ذلك ستعرف الفينومينولوجيا مع هايدغر تحولا كبيرا لا من حيث تيمتها الأساس ولا من حيث طريقة توظيفها كمنهج في البحث.
[1] صدرت الترجمة العربية لهذا المؤلف تحت عنوان “الكينونة والزمان”، وهي من إنجاز فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد 2012. فضلنا الاعتماد على الترجمة الفرنسية حتى نحافظ على وحدة المصطلحات في هذا الكتاب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير الصدق والثبات في البحوث الكمية والكيفية

أ.د فضيل دليو جامعة قسنطينة3 مقدمة   من المعروف أن البحوث في العلوم الاجتماعية قد تصنف تبعا لمؤشر طبيعة البيانات المستخدمة إلى بحوث كمية وبحوث كيفية. تَستخدِم الأولى تقنيات كمية مباشرة وتلجأ إلى العد والقياس والإحصاء... أما البحوث الكيفية فهي غالبا ما تخلو من التكميم والقياس، ولا تستعمل التحاليل الإحصائية بل تعتمد على التحليل الكيفي وتركز على الفهم من خلال التفاعل مع الموضوع والظاهرة المدروسة.

أهم ثمانية كتب حول نظريات علوم الإعلام والاتصال

باديس لونيس كثرت في الآونة الأخيرة حركة التأليف في مجال علوم الإعلام والاتصال بتخصصاته المختلفة في المنطقة العربية، ولكن مع هذه الحركة والحركية يبقى مجال نظريات الإعلام والاتصال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام. ليس من ناحية الكم فقط ولكن من ناحية الكيف بشكل خاص. لأن ما يُنتج هنا وهناك صار مبتذلا بشكل واضح، بل إن الكثير من الذين استسهلوا هذا المجال لم يكلفوا أنفسهم عناء إضافة أي شيء جديد حتى ولو كان من باب تنويع المراجع أو من باب التحليل والنقد، ما يفتح الباب واسعا حول التساؤل عن جدوى التأليف مادام صاحبها يجتر ما هو موجود أصلا من دون إضافة؟ هذا فضلا عن الحديث عن السرقات العلمية الموصوفة وذلك موضوع آخر.

"جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها"، كتاب الدكتور قسايسية الجديد

تدعمت المكتبة العربية في الايام القليلة الماضية بإصدار جديد عن دار الورسم للدكتور الجزائري علي قسايسية، عضو هيئة التدريس بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر3. الكتاب جاء تحت عنوان: جمهور وسائط الاتصال ومستخدموها (من المتفرجين الى المبحرين الافتراصيين).